أهمية الإسلام حول الزواج


الإيمان بقضاء الله وقدره يُعد من الأسس الجوهرية لعقيدة المسلم، إذ يُشكل هذا الإيمان الثقة الكاملة والرضا بكل ما يقدره الله تعالى. رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه مع جبريل، عندما سُئل عن الإيمان، فأجاب: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". هذا الحديث يُلقي الضوء على أهمية الإيمان بالقدر كأحد أركان الإيمان الستة.

وفي سياق القدر، يأتي الزواج كقضاء مكتوب ومحتوم ضمن مقادير الله التي كُتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في الحديث الشريف. وهذا يعني أن كل حدث في حياة الإنسان، بما في ذلك الزواج، مقدر ومكتوب بعلم الله الأزلي.

تُعلمنا الشريعة أن الله تعالى قد قدّر أسباباً موصلة إلى المسببات، مما يعني أنه بالرغم من كون القدر مكتوبًا، فإن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب المشروعة لتحقيق أهدافه وطلب رزقه. ففي الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية العديد من الأمثلة التي تبين هذه المفاهيم، كقوله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، وهي تحث المسلم على التوكل على الله والسعي في الأرض طلبًا للرزق الحلال.

في زمننا هذا، لجأ البعض إلى اتباع سبل غير مشروعة لتحقيق أهدافهم، سواء في كسب الرزق أو البحث عن شريك الحياة، كالتخلي عن الحجاب أو المشاركة في أنشطة مختلطة بغرض إيجاد الزوج المناسب. هذا النهج ينسيهم حكمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي تقول: "إن الإنسان قد يُحرم الرزق بسبب الذنب الذي يرتكبه".

 في هذا السياق، يذكّرنا الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد، أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة القصيم، بأن كل شيء في حياتنا، سواء ما حدث بالفعل أو ما سيحدث، مكتوب بالفعل في اللوح المحفوظ. هذه الحقيقة تُعد جزءاً لا يتجزأ من الإيمان بالقدر، والذي يستند إلى أربعة أركان أساسية هي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق. لذا، من واجبنا كمؤمنين بالقدر أن نعي تماماً أنه لا يقع في هذا الكون شيء إلا وقد كان بعلم الله وإرادته وخلقه.

فيما يخص موضوع الزواج، الأدلة الشرعية وافرة وتؤكد على أن كل شيء مكتوب ومقدّر من قبل الله تعالى. من هذه الأدلة:

1- يخبرنا الله تعالى في قوله: "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" [الحج: 70]. 

هذه الآية تؤكد على علم الله الشامل وقدرته على تدبير الكون بكل يسر وسهولة.

2- ويُعلمنا القرآن أيضًا في قوله تعالى: "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" [يس: 12]. 

هذا يبين أن كل ما في الكون، بما في ذلك أقدار البشر، محصى ومدون بدقة في لوح محفوظ.

3- وفي قوله تعالى: "قُل لَن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا" [التوبة:51]، 

نجد تأكيدًا على أن ما يقدره الله لنا هو ما سيحدث، مشددًا على الإيمان بالقضاء والقدر.

4- كذلك، يُظهر دعاء موسى عليه السلام في قوله تعالى: "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً" [الأعراف: 156]،

 إيمان الأنبياء بأن الخير والبركة في الدنيا والآخرة هي بقضاء الله وقدره.

هذه الآيات تدعو المؤمنين للتسليم بقضاء الله وقدره، وأن كل شيء في هذه الحياة، بما في ذلك الزواج، مكتوب ومقدر بحكمته البالغة.

  • وأما السنة فمنها ما يلي:

في إطار الحديث عن السنة النبوية وما تبينه بشأن القضاء والقدر، نجد تأكيدات قوية تشير إلى أن كل شيء في هذا الوجود مكتوب ومقدر بما في ذلك الزواج، ومن هذه الأحاديث:

1- روى عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" وأضاف: "وعرشه على الماء"، رواه مسلم (2653). هذا يؤكد على عظمة وشمولية علم الله وقدرته.

2- وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة"، رواه صحيح مسلم. هذا يؤكد على أن الأقدار مكتوبة، بما في ذلك مصائر العباد.

وعلى الرغم من أن الزواج مكتوب ومقدر في وقته المحدد، الذي لا يمكن تقديمه أو تأخيره بحسب إرادتنا البشرية، فإن ذلك لا يعفينا من السعي وراء الأسباب والمسببات كالبحث والسؤال والاستخارة وغيرها من الوسائل. فالأخذ بالأسباب هو جزء لا يتجزأ من الإيمان بالقدر.

بالنسبة للسؤال حول إمكانية أن الدعاء يغير القدر، وخصوصًا في موضوع الزواج، فالجواب هو نعم، الدعاء يمكن أن يكون سببًا في تغيير بعض الأقدار بإرادة الله تعالى. الدعاء هو عبادة عظيمة ومن أهم الأسباب لجلب الرزق والتوفيق، ويعد من أعظم الوسائل للتقرب إلى الله وطلب ما في القلوب من أماني وحاجات.

بناءً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "ولا يُرَدُّ القَدَرُ إلا الدُّعاءُ"، يتجلى أمر الدعاء في تغيير بعض القدر بإرادة الله. ولفهم هذا الأمر بشكل أوضح، نستعرض مسألة القدر المثبت والمعلق، أو المحو والإثبات.

 بعض الناس قد يشعر بالحيرة حيال هذه المسألة، يتساءلون عن عمق العلم الله وكتابته له في اللوح المحفوظ، ثم ما المعنى الحقيقي لقوله تعالى: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" [الرعد: 39]. وهنا يأتي دور قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "من سرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه"، رواه البخاري.

  • القدر ينقسم إلى قدرين رئيسيين:

القدر المثبت: هو القدر الذي لا يتغير فيه شيء، وهو ما كُتب في اللوح المحفوظ، ويُعرف أيضًا بالقدر المطلق أو المبرم. هذا القدر هو قدر ثابت لا تتغير فيه الظروف.

القدر المعلق: هو القدر الذي كُتب في كتب الملائكة، وهو مقيد بالأسباب والظروف. في هذا النوع من القدر، يمكن تغيير بعض الأمور بحسب الأفعال والاختيارات البشرية، مثل الأجل والرزق والعمر. هذا النوع من القدر يتيح للإنسان فرصة التأثير على مصيره بتصرفاته.

قال الشيخ ابن تيمية في شرحه لهذه المسألة: "الأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وهذا يعرف من كتب الملائكة، ويزيد وينقص بحسب الأسباب"، مجموع الفتاوى 8/517.

وعندما سئل عن موضوع الرزق، أوضح أن هناك نوعين من الرزق: 

  1.  ما علمه الله أنه سيُرزق به، وهذا النوع لا يتغير. 
  2.  ما كتبه الله وعلم به الملائكة، وهذا النوع يمكن أن يزيد أو يُنقص بحسب الأسباب والظروف.

خلاصة

في النهاية، فإن الإنسان مؤمن بالقدر يدرك أن الله قد كتب كل شيء، ولكنه في الوقت ذاته يعلم أنه يمكنه بذل الجهود واستخدام الأسباب للوصول إلى ما قدر له من الرزق والعمر والنجاح.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-